تعزيز دور المجتمع المدني .. النهج الجديد لبناء السلام
عبادة الزعبي- نصيب
قد تزداد نسبة العنف في مجتمع معين وقد تنقص بسبب تأثير المناخات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ولكنه في جميع الأحوال آفة تتسبب الخلل في الأنظمة الاجتماعية والشلل في الحركة الطبيعية لسير المجتمعات نحو المدنية.
وهذا ما يحصل اليوم في سوريا إذ لا تزال المعركة محتدمةً بين أطراف الصراع، وعدد السنوات المريرة يخبرنا أنّ العنف ليس هو الحل وتعقيد الصراع وضخامة الضريبة يتطلب السعي باتجاه التأسيس لمجتمع مدني، وتطوير نهج جديد لبناء السلام يتماشى مع الثقافة المحلية لكل منطقة وطبيعة الجهة المسيطرة وتوجهاتها، لتعزيز فهم القيم والممارسات المحلية للمساهمة في بناء السلام ونبذ العنف.
وكي يتحقق هذا لابد من تأسيس لثقافة الحوار وعدم رد الأذى بالأذى وتعزيز نهج العفو والسلام وتأهيل كل العوامل المحلية والثقافية لتلعب دوراً إيجابياً وفعالاً في حل النزاعات، فالصراع الدائر يفرض على المجتمع المدني الوقوف أمام مسؤولياته والبحث عن الوسائل التي تكبح جماح العنف، فمع تطور أدوات النزاع أصبح العنف أقل استجابة لطرق الحل التقليدية برد الأّذى بالأذى، وصار من الضروري تبني أسلوباً مختلفاً يبحث في أعماق ودوافع النزاعات وتحليلها وردها إلى العوامل المؤثرة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية وتحجيم دورها وأثرها لإنهاء حالة النزاع القائمة.
ولذلك كانت الدعوة إلى نبذ العنف منوطة بالجميع؛ فهي تتطلب عملاً جماعياً منظماً وهذا التنظيم يحتاج الى مؤسسات ترعى الناشطين وترشدهم وتقدم لهم المساعدة والنصيحة والدعم والتدريب، فالتجمعات التطوعية واللجان المحلية هي المؤسس الرئيسي لتربية القيم ونموها داخل الفرد، لكنها تحتاج إلى إدراك أهمية التشاركية مع الجهات المحلّية الفاعلة، فكما هي أداة لتعبئة الناس للحرب فيمكن أن تسهم في تعبئة الناس وحشد قواهم وامكانياتهم في بناء التصالح ومدّ جسور السلام.
ولذلك يتطلب هذا الأمر حشد الوجهاء وزعماء العشائر ورجال الدين، إضافة إلى المعلمين والفنانين الشعبيين، فهؤلاء يمهدون الطريق لفهم التفاعلات الاجتماعية والبناء عليها، وهذا يتطلب الموضوعية والحياد والجدية، كما يتطلب راعياً يسهم في تطوير برامج التدريب والتوعية التي تهدف الى دعم قدرات الأفراد والجماعات على التعامل مع المشكلات المتعلقة بالصراع وطرق تفاديه.
فالدعوة إلى نبذ العنف لا تعني الاطلاق استسلام الضعيف وخنوعه للقوي، بل هي دعوة إلى عدم ردّ العنف بالعنف والطعنة بالطعنة، هي ألّا نستجيب للغوغاء والعشوائية والحمية القبلية، تمهيداً لإحلال العدل والمساواة.
لكن ذلك يتطلب فهماً لطبيعة المجتمع وتكويناته، وتعزيز دور الشخصيات المفتاحية في المجتمع وإعطائهم دوراً مميزاً في القضايا الشائكة، وحشد الإعلام وتسخيره لدعم مشاريع بناء السلام، وتفعيل دور المثقفين وعقد المحاضرات والندوات لنبذ أفكار الانتقام، وتعزيز دور الفن والمعلمين ودعمهم ليكونوا فاعلين في ارساء دعائم الحوار، والعمل على تفهم حاجات ورغبات الافراد والجماعات.
كما يتطلب تفعيل دور التربية الايجابية والمهارات الوالدية لمقدمي الرعاية للتخفيف من الكراهية والعنف التي قد يعاني منها بعض الأطفال، إذ تعتبر الاسرة العامل الأول في تأسيس سلوكيات الأطفال وتعزيزها سلباً او ايجاباً، وتدريب أشخاص ليقدموا المشورة والدعم النفسي والخدمة الاجتماعية.
صفحات التاريخ المليئة بالتجارب تخبرنا أنّ السلام أقوى من العنف، وجميع الحركات اللاعنفية حققت مرادها بضريبة أقلّ وضحايا أقلّ ومخاطر لا تتساوى مع مخاطر العنف والعنف المضاد.
3 تعليقات
السلام هو سلام اسري ومجتمعي واقليمي
معا لبناء السلام
نعم للسلام