بين ماضي الدراسة وحاضر التعليم
علاء الحزيمي- بصرى
هل فكرنا ما الذي تغير في المدرسة بين الماضي واليوم؟
أنا أحد التلاميذ الذين كانوا يعانون من المدرسة، كنت أظن أنّها عقاب لي!
فكان بعض المعلمين يعاملون الطلاب بقسوة بالغة، وكان تعنيفنا -كتلاميذ- أمراً طبيعياً، لم يكونوا يكترثون إلى ما سيحصل لنا أو قد ينتج عن هذا العنف.
لم يكن المعلمين والمعلمّات يضعون ضمن الاحتمالات أن يصبح لدى الطلاب المعنَّفين مشكلات نفسيّة كالخوفٌ أو الانطواء أو انعدام الثقة بالنفس، وقد تتخطى ذلك إلى مشكلات اجتماعية كتنمّر الطلاب فيما بينهم أو المشاجرات أو الضرب والإهانة، وقد يتجاوز الأمر إلى عدم الامتثال لأوامر المعلمين وعصيانهم، وكان الملجأ لكثير من الطلاب في هذا الواقع الهروب من المدرسة!
طلب منا معلّم الرياضة جلب لباس رياضي للدرس، جاء أحد أصدقائي دون أن يحضر اللباس معه، فقام المعلم بتوبيخه أمام الطلاب، وفي اليوم الذي يليه جاء أيضا من دون إحضار اللباس معه، فقام المعلم بطرده وطلب إحضار ولي أمره، فكانت النتيجة هي إحراج الطالب وأبيه فلم يكن يملك ثمن اللباس المطلوب!
كان من المفترض على المعلم أن يسأل الطالب بشكل ودّي عن السبب دون تعنيف أو توبيخ لكنّه لم يفكر بطريقة ايجابية لحل المشكلة بل على العكس فاقم الأمر مما جعل المشكلة تتفاقم بشكل أكبر.
هذه الطريقة في التعامل كانت تؤثر نفسياً على الطّلاب ما يدفعهم للهرب من المدرسة والابتعاد عن التعليم في سن مبكرة، والانخراط بالأعمال الحرة التي قد لا تناسب أعمارهم، عدم إدراك الأهالي لخطورة التسرّب المدرسي يفاقم المشكلة أكثر فأكثر، فعندما ينطلقون مجبرين إلى متاعب الحياة في هذا السن الصغير يتعرضون لكثير من الاستغلال، كان من الممكن تداركها.
تدريجيّاً تم سن قوانين عديدة في منع التعنيف في المدارس فتغيرت سير العملية التعليمية بشكل ملحوظ، فنبذ العنف في التعليم ينشئ جيلاً عقلانياً متفهماً، فليس الغاية من التعليم القراءة والكتابة فقط، بل الغاية أيضاً تعلّم الاحترام والقيم النبيلة والثقة بالنفس، من أجل بناء جيل يساهم في مجتمع متوازن يسعى لبناء السلام.
تعاون الأهالي مع المدارس مهم جداً في عملية التطوير تلك، فالكثير من الأهالي يقدم ما بوسعه من أجل شراء المستلزمات المدرسية، كما أن الكثير من المعلمين أصبحوا يؤمنون أن تعنيف الطلاب له آثار سلبية كثيرة، وهذه المؤشرات دليل على نمو التفكير الذي لم يكن موجوداً في السابق، الدعم والثقة من الأهالي والحب والعقلانية من المعلمين.
فالحياة المستقرة تتطلب جيلاً لديه وعيٌ كافٍ أن العنف لا يجلب إلا العنف، أمّا اللاعنف فيبني جيلاً قادراً على التسامح والعطاء، ويترفع عن سفاسف الأمور كي يحقق الأهداف المرجوّة، في عالمٍ قائم على التعاطف مع الذات والأخرين.
تمنيت أن نصل إلى ذلك اليوم، لكن الحرب في بلادي كانت سبباً في تسرّب الكثير من الأطفال من مدارسهم واستمرار دوراننا في دائرة العنف حتى اليوم.
1 تعليق
مقال جيد وفيه الكثير من الواقع