اللاعنف بين الفكرة والتطبيق
هل تنجو درعا من الأحداث الدامية فيها؟
مرام الأحمد- نصيب
شهدت درعا في السنوات الأخيرة الماضية العديد من الحوادث الدامية، لعلّ أشهرها ما جرى في إحدى بلداتها التي شهدت اقتتالاً عشائرياً بين أكبر عائلتين في البلدة، فالخلاف الذي بدأ بكلمات شتم بين أطفال تحوّل إلى معركة حقيقية أودت بحياة رجل وإصابة شاب بشلل رباعي وإصابات أخرى ما بين بالغة وطفيفة، مآذن المساجد نادت بضرورة البقاء في المنازل وعدم الخروج إلى الشوارع لأيّ سبب كان، ولم يتوقف الأمر هنا؛ فبعض العائلات غادرت البلدة خوفاً من تصيُّد أبنائها وقتلهم، وأُحرِق عددٌ من المنازل والمحال التجارية، وتدخلت قوّات أمنيّة تابعة لإحدى الفصائل ونشرت عناصر لحفظ النظام.
وبمبادرة فرديّة قام بها أحد أبناء البلدة حيث دعا الأهالي إلى التجمع لإيقاف نزف الدم، مناشداً -عبر مكبرات الصوت في المسجد الكبير- جميع العقلاء للتدخل وحقن دماء الأخوة، مذكراً إياهم بعاقبة هذه الحال، وأنّ استمرار هذا الاقتتال إنما يودي بالبلدة نحو الهاوية.
وبالفعل استجاب عدد كبير من أبناء البلدة لهذه الدعوة وتوجهوا لكلا الطرفين مبينين لهم أهمية الصلح وأنّه الوسيلة الوحيدة لتجنّب سفك المزيد من الدماء، وتم الاتفاق بعد عدة أيام وأُعلن عن الصلح بحضور أعداد كبيرة من أعيان وأبناء حوران.
ما هو اللاعنف؟
لو عدنا إلى أول حادثة قتل في التاريخ البشري، حين رفض هابيل الرَّدّ على أخيه بذات الاعتداء، فبادره بكلماته (لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ)، وكأنه يخبرنا أننا نقف دائماً أمام خيارين؛ أحدهما العنف واستخدام القوة التي قد تبدو حلّاً سريعاً وفعّالاً، والآخر هو الحلّ السلمي الواسع الأفق، والذي يحتاج إلى وقت طويل لكنه أكثر نجاحاً وتأثيرا، كما يحتاج إلى نفْسٍ تؤمن بعدالة قضيتها، وقد جاءت الآيات التي تليها مبينةً عاقبة استخدام العنف، (فأَصْبَحَ مِن الْخَاسِرين) و(أَصْبَحَ مِنَ النّادِمين).
ولو جئنا إلى التاريخ الحديث وكيف غيّرت اليابان سياستها عقبَ حادثتي القنبلتين النوويتين الأشهر عبر التاريخ في هيروشيما وناغاساكي، بعد كلّ الحروب الطاحنة التي خاضتها في تاريخها لا سيما الحربين العالميتين، وكيف أدركت اليابان أنّ تحويل الدمار الهائل والقتل الشامل إلى نصرٍ علميٍّ وصناعيٍّ وتكنولوجيّ، إنما هو أجدى من الرَّد على الولايات المتحدة بقنبلة مماثلة لن تجلب إلا المزيد من الموت والتدمير لكلا البلدين، وها هي الآن تثبت صحة معادلتها حيث أضحت اليابان البلد التي يتغنى شعبها بنهضتها البلدان ويُضرب بها الأمثال.
لا يعني اللاعنف انّه الخنوع أو الاستسلام، وإنما هو تمرُّد يتميز بالمبادرة والحكمة والصبر ونبذ الخوف، وهو بذلك يكون منهجاً وسطاً يحيد عن الإذعان والخضوع من جهة، ويرفض الاعتداء أو نزع الحقوق بالسلاح من جهة أخرى، وإنّ من أهم أدواته الجماهير المؤمنة به كخارطة طريق وأسلوب حياة، وبذلك يقع على عاتق كلّ مؤمن بهذا النهج أن يكون داعيةً له بسلوكه وأخلاقه وذلك أضعف الإيمان.
هل سيجد اللاعنف مكاناً له في درعا؟
في ظل العنف اليوميّ الذي تشهده المحافظة، صعدت إلى السطح كلمة (اللاعنف) وازداد الحديث عنه في الآونة الأخيرة وظهرت مبادرات فرديّة تنادي بانتهاجه وتراه الحلّ الأمثل للتصدي للعنف المسيطر، حيث يدعو المنادون باللاعنف الى الترويج له وترسيخه في المجتمع، فدرعا الغارقة بالفوضى والسلاح تقف الآن أمام أحد الخيارين:
إما أن تجابه العنف بالعنف، أو أن يشقّ اللاعنف طريقه في هذه المحافظة، ومع تعالي الأصوات المنادية باللاعنف، يعتبر الكثير من أبناء درعا أنَّ فكرة تطبيقه ضربٌ من الخيال، فمن وجهة نظرهم أنَّ العنف لا يقطع طرفه إلا عنف مضاد، والطلقة مقابل الطلقة، والعين لا تقاوم المخرز.
وعلى الجانب الآخر يسعى من يؤمن بمنهج اللاعنف إلى اثبات وجهة نظرهم، أنه الحلّ الأكثر أماناً والأقلّ خسائراً والضوء الذي يلمع في نهاية النفق الذي نسير فيه.
5 تعليقات
درعا تحتاج فعلا لتطبيق اللا عنف ع ارض الواقع
كلام جميل رائع
درعا بحاجة الى تطبيق اللاعنف على ارض الواقع
بالفعل درعا بحاجة لنهوض بها بلاعنف
لا بد من تعزيز فكرة اللاعنف وجعلها نمط حياة
نتمنى لدرعا كل السلام والخير