الصلح الأبيض لا لثارات الدم
الصلح الأبيض لا لثارات الدم
لميس الرضا- درعا البلد
تطلق تسمية حوران على المنطقة التي تمتد من جنوب سوريا إلى شمال الأردن، وعُدت مدينة درعا قديماً عاصمةً لها، تشتهر بمسجدها العمري القديم الذي كان فيه مطلع الحراك السلمي، وكذلك مدرج بصرى الأثري وقلعتها.
عُرفت درعا بتماسكها العشائري والعائلي المترابط فلها خصوصيتها العشائرية، فالعشيرة هي عبارة عن عائلات متفاوتة من حيث حجمها وعدد أفرادها وتوزعها وارتباطها، وكل عشيرة تتكون من أقسام يطلق عليها أفخاذ العشيرة، وهي عائلات تنتمي إليها لتلتقي في النهاية عند الجد السابع، لتشكل مع بعضها عصبةً قَبليةً، حافظت حوران تلك التركيبةِ المجتمعية حقبة طويلة من الزمن.
فغدت العادات والتقاليد والأعراف هي السلطة القضائية والاجتماعية في ظل غياب مؤسسات الدولة، والتي تعززت ونشطت أكثر في أوساط المجتمع المدني أثناء الحرب، فالتراث الشعبي الحوراني ينطوي على أعراف متوارثة وآداب متعددة اكتسبوها من أسلافهم ومنها كان الصلح بمعزل عن القانون ومحاكم الدولة.
الحراك السلمي في سوريا، وما لحق به من تحوّلات كبيرة في علاقة الدولة بالمجتمع ومن ضمنه الوجهاء، الذين خرجوا عن الدور الاعتيادي الذي لعبوه سابقاً ليتصدروا مشهد الحركة الشعبية في درعا وكان من ذلك السعي إلى الصلح وهو ما يعرف بالصلح الابيض.
فالصلح الأبيض هو صلح وحكم عشائري يتمثل بحلّ النزاع بين طرفين متخاصمين من خلال تحكيم أطراف من العشائر ووجهائها، كنزاع وخلافات الثأر والدم في حوران، بالصفح والتسامح والعفو، مع تعويض المتضرر ماديّاً ومعنوياً.
وهذا الصلح هو الطرف المقابل للثأر الذي يعرف أنّه انتقام وإرث عشائري دون اللجوء إلى تشريع أو حكم.
كان يقال قديماً أن “الدمَّ يستسقي الدمَّ” وهذا هو منطق الثأر، فهذا العرف الاجتماعي مازال يحكم العديد من المجتمعات العربية مع ما ينطوي معه من إجرام وقتل، فهو إرث يغري معتنقيه بمفاهيم الكرامة، وتتغلف بمبررات تعمق نزعتها التدميرية في المجتمع، فالثأر هو خلل بنيوي على صعيد الفرد والمجتمع.
ولطالما أهدرت دماء بالباطلِ، فكان الوجهاء وأولي الصلح يعمدون إلى حل الخلافات الكبيرة التي تقع في سبيل حقن الدماء، والحفاظ على الألفة والمودة من خلال عقد مجالس الصلح الذي هو صلح عشائري، فيقررون بنوداً وفق القوانين والأعراف العشائرية، تلتزم بها كل الأطراف المتخاصمة، تبدأ بتلاوة آيات من القرآن تحض على الصلح، والاحتكام إلى شرع الله، مثل الآية في سورة الشورى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
الصلح الأبيض يقضي على الحقد من بدايته، وهذا العرف ليس على حوران وإنما هو مطبق في العديد من المناطق ذات الصبغة العشائرية، فهو وسيلة فعّالة للسير نحو مجتمع مترابط يخلو من العنف، ويحكمه العفو والتسامح والسلام.
5 تعليقات
رغم رفضي العشائرية الا ان لها بصمة ايجابية في حفظ الدماء في المنطقة
و الصلح خير
هو سبيل لتعزيز اللاعنف وبناء السلام في مجتمع آمن تسوده الألفة والمودة بين أفراده
والعشائر هي صمام أمان يحتكم اليها في ظل واقعنا المعاش
وفقت ..
من خلال العادات والتقاليد والأعراف في حوران يظهر مدى توسع الوعي والقدرة على ضبط النفس في سبيل السلام وحقن الدماء
الناس تعبت بسبب السنوات يلي مرت فيها والجميع بحاجة وجود عشائر تسعى للسلام
اشي رائع