الديمقراطية- مفهومها واشكالها
الديمقراطية- مفهومها واشكالها
إعداد: جوليو
الديمقراطية..
احترام رغبات الشعوب وعدم فرض أي سياسات عليها، تشكل حجر الأساس للديمقراطية الفعالة على الأرض. وكلمة “ديمقراطية” ذات أصل إغريقي، “demos” وتعني الشعب، و”kratos” وتعني السلطة، ولذلك يمكن تعريفها ب “سلطة الشعب”.
ومن غير المنطقي وجود دول ديمقراطية بالفطرة، لذلك أخذ تحقيق هذا الشكل من الحكم عمليات تطور عديدة، حتى وصل إلى ما هو عليه حالياً. وهي تشكل نقيضاً للاستبداد والديكتاتورية، لكونها لا تعطي الحق في الحكم لشخص واحد ، ولا تتيح لشريحة صغيرة بالمجتمع أن تتفرد بالحكم، أو تحتكر السلطة لمصلحتها، وهي في نفس الوقت لا تحرم الأقلية من حقوقها.
وقد تم تبني الديمقراطية كأحد القيم الاساسية للأمم المتحدة، نظراً لأهمية وجودها، وقوة مبادئها والتي يأتي في مقدمتها، مبدأ المساواة، والذي يعني أن يكون لأي شخص الفرصة للتأثير على قرارات الناس ضمن محيطه أو مجتمعه. ومبدأ الاستقلالية الفردية، والذي يعني عدم الخضوع ويمكِّن الأشخاص من الاعتراض على القواعد التي فرضها الأخرون، وبهذا يكون لدى الأفراد القدرة على التحكم بحياتهم.
للحكم الديمقراطي أشكال عدة منها:
الديمقراطية المباشرة: وتعني تصويت الشعب على قرارات الحكومة، مثل المصادقة على القوانين أو رفضها. وقد أخذت هذا الاسم، لأن الشعب يمارسها بشكل مباشر مع السلطة دون وسطاء أو نواب يمثلوهم/ن.
الديمقراطية النيابية (الغير مباشرة): وتُدعى بالنيابية، لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة، بل يفوض نواباً يقررون عنهم/ن.
ولاقى هذا النظام الديمقراطي الأخير، انتشاراً كبيراً، وأصبح غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية غير مباشرة.
الديمقراطية التشاركية: وهي اشراك كم من الفاعلين السياسيين ومن افراد المجتمع المدني والجمعيات والباحثين والخ….، ويكون هناك سلطة منتخبة لإيجاد حلول فعالة وواقعية لمختلف المشاكل السياسية.
وهناك تصنيفات أخرى للديمقراطيات منها الديمقراطية الليبرالية (الحرة) وغير الليبرالية (غير حرة).
في الديمقراطية الليبرالية تكون السلطة خاضعة للقانون ومبدأ فصل السلطات، والدستور يضمن حقوق المواطنين، اما الغير ليبرالية، فإن الحكام أو النواب المنتخبين ليس لهم/ن حدود فيحكمون كما يرغبون.
وبالرغم من ندرة الديمقراطية المباشرة، وذلك لصعوبة جمع كل الأفراد المعنين في مكان واحد، إلا أن هذا لم يمنع بعض الدول من أن تتبنى هذه التجربة وتتميز بها، ومن هذه الدول “تايوان”:
وهي جزيرة الذي لا تتجاوز مساحته 36 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة. حققت نقلة نوعية في الديمقراطية، حيث انتقلت من ديمقراطية شكلية (على الورق ) إلى ديمقراطية فاعلة يديرها شعب متعدد الأعراق بثماني عشرة لغة رسمية ، والذي أصبح بفضلها اليوم مفعماً بالحياة .
كان العام 2003 هو العام الذي تحققت فيه أولى النقلات، فقد أصدرت فيه تايوان أول قانون لها بشأن المبادرات والاستفتاءات، وبعد ما حدث في هذا العام من تغيير، أصبح شعب تايوان اليوم قادراً على أن يكون صاحب رأي حقيقي في الواقع السياسي على الصعيد المحلي او الدولي.
بينما كانت الأعوام العشرين الماضية، عبارة عن تحسينات وتعديلات تحتوي عتبة منخفضة نسبيا لفرض التصويت الشعبي على التشريعات المقترحة.
اما في نوفمبر عام 2018فقد كان بمثابة شهر التميز، حيث تم طرح أكثر من عشرة مقترحات يقودها المواطنون، حول قضايا تتراوح بين حماية البيئة، إلى الوضع الدولي للجزيرة، للتصويت العام.
ولم يطل الوقت حتى قرر التايوانيين عام 2021، تعديل قانون الديمقراطية المباشرة فيما يتعلق بطريق الفصل في مسائل التصويت بين المرشحين في الانتخابات، وكذلك القضايا التي تحتاج إلى الاستفتاء.
وكما أن النقص هو حال كل شيء في الحياة، فأن نقطة ضعف العملية هو الشرط القانوني الذي ينص على قبول ما لا يقل عن 25% من الناخبين حتى يتم النظر في المقترح، وهذا ما أتاح للمعارضين التأثير في النتيجة بشكل كبير دون التصويت حتى، وفي عام 2021 تم رفض أربعة مقترحات لعدم تحقق الشرط المطروح مسبقاً.
سويسر أيضاً، الدولة التي تشكل الديمقراطية المباشرة أساس وجودها.
في أواخر القرن التاسع عشر كانت سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية هي بنك الأفكار الأولية لاستكمال الحكومات التمثيلية بالديمقراطية المباشرة.
يبلغ عدد سكان سويسرا “9” ملايين نسمة، وبمساحة “41000”كيلومتر مربع، وأغلب الباحثين يعتبر سويسرا “عرابة” الديمقراطية المباشرة، وقد اخذت هذا اللقب من خلال استخدام عمليات التصويت السرية لصنع القرار، لتكون هي الحامي الرسمي لها من الاشكال الأكثر تقليدية للديمقراطية.
لكن هذا غير صحيح لأن الديمقراطية المباشرة هي التي صنعت سويسرا، من خلال التصويت في بدايات القرن الثامن عشر، لإنشاء الاتحاد الكونفدرالي السويسري.
وأيضاً لم تمنح البلاد “النساء” حق التصويت حتى سبعينات القرن العشرين، وتعد من الدول المتأخرة كثيرا عن الديمقراطيات في العالم.
في المقابل لم تلبث سويسرا أن نفذت أليات المبادرة والاستفتاء بشكل كامل، في إطار الحكومة التمثيلية، وذلك خلال الخمسين السنة الماضية.
ولأكثر من “450”مرة على المستوى الوطني، تمت دعوة الرجال والنساء السويسريين الذين تزيد أعمارهم عن “18” عاماً إلى اتخاذ قرارات ملزمة، وذلك فقط منذ عام 1971.
ومن الأشياء التي تميز سويسرا، عدم قدرة القادة التشريعين أو التنفيذين المنتخبين، على طرح قضية ما للتصويت العام، فهذه السلطة هي للمواطنين فقط، عن طريق جمع التوقيعات أو وفقا لمتطلبات قانونية، مثل التغيرات المقترحة على الدستور أو النفقات المالية الهامة.
وإلى اليوم، أكثر من 25% من السكان البالغين غير مؤهلين للتصويت، بسبب عدم امتلاكهم/ن جواز سفر سويسري، وما زالت سويسرا تقدم دروسا مثيرة للاهتمام حول كيفية الجمع بين الديمقراطية المباشرة وغير المباشرة بكفاءة.
رغم التطور على صعيد الديمقراطي الذي حدث في أغلب دول العالم، إلا أن الوطن العربي، مازال يعاني من تدهور الديمقراطية، بسبب سيطرة الحزب الواحد، وضعف التعددية السياسية، وغياب مبدأ التنافس على الحكم وتداوله، وهشاشة القوى الديمقراطية الخ….
ولكي نبني دولة ديمقراطية، فنحن بحاجة إلى جملة من السنين، لأن التغير لا يحدث بين ليلة وضحاها، هو أسلوب حياة، ويأخذ فترات إلى أن نعتاد عليه، كما قال كوفي عنان: “لا يولد أحد مواطناً صالحاً، ولا تولد دولة ديمقراطية. وإنما تستمر العمليتان في التطور على مدى العمر.
ولذلك فإن أمل شعوبنا هو الجيل الجديد، والتوعية الحقيقية بالمصطلحات الصحيحة لبناء دول ذات سيادة وديمقراطية فعالة.