الديمقراطية مالها وما عليها
الديمقراطية مالها وما عليها
إعداد: موفق العلي
مقدمة:
لم ينل أي مصطلح سياسي، من كتابات السياسيين والعلماء والأدباء والفلاسفة، ما ناله مصطلج (الديموقراطية). فما من متكلم إلا قضى شهوته الفكرية في الحديث عنه بإطناب ممل، أو بإيجاز مخل. حتى إنني أكاد أقول إنه لم يعد فيه زيادة لمستزيد. ولا أضيف جديدا لو ذكَّرت القارئ الكريم بما قيل مرارا وتكراراً، من أن أصل كلمة الديمقراطية يوناني: lδημοκρατία dēmokratía) ويعني حرفياً «حكم الشعب») وهي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين.
تعريف الديمقراطية:
الديمقراطية هي أحد المثل العليا المعترف بها عالمياً والقائمة على قيم مشتركة تتبادلها الشعوب في مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتقوم الديمقراطية على إرادة الشعب المعبر عنها بحرية لتقرير نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشاركته التامة في جميع جوانب حياته. وتهدف الديمقراطية إلى:
الحفاظ على كرامة الفرد وحقوقه الأساسية وتعزيزها.
تحقيق العدالة الاجتماعية.
تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.
تعزيز تماسك المجتمع.
توطيد الأمان الوطني.
إرساء مناخ مؤات للسلام الدولي.
واليوم، بعد مضي فترة على تحقيق الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، يبدو أن العديد من النظم الديمقراطية تتراجع.
عناصر الديمقراطية
سعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان إلى الاستفادة من الصكوك الدولية من أجل تعزيز فهم مشترك لمبادئ الديمقراطية وقيمها. وفي العام 2002، أعلنت اللجنة في القرار رقم 2002/46 أن العناصر الأساسية للديمقراطية تتضمن:
احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
عقد انتخابات دورية حرة وعادلة بالاقتراع العام وبالتصويت السري.
إمكانية الحصول على السلطة وممارستها بمقتضى سيادة القانون.
وجود نظام تعددية الأحزاب والمنظمات السياسية.
فصل السلطات.
استقلال القضاء.
الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة.
حرية وسائل الإعلام واستقلالها وتعددها.
مفهوم الديمقراطية
الديمقراطية لغةً:
تعتبر كلمة الديمقراطية (بالإنجليزية: Democracy) كلمةً يونانيةً تتكوَّن من مقطعين؛ المقطع الأول (Demos) ويعني الناس أو الشعب، والمقطع الثاني (keratin) ويعني الحُكم، وبذلك يشير مفهوم الديمقراطية لغةً إلى حُكم الشعب أو حُكم الأغلبية.
الديمقراطية اصطلاحاً:
تُعرَّف الديمقراطية اصطلاحاً بأنّها نظام الحُكم، حيث تكون السلطة العليا بيد الشعب، الذي يمارس سلطاته بشكلٍ مباشرٍ، أو عن طريق مجموعة من الأشخاص يتمّ انتخابهم لتمثيل الشّعب بالاعتماد على عمليةٍ انتخابيّةٍ حرةٍ، حيث ترفض الديمقراطية جعل السلطة كاملةً ومُركَّزة في شخصٍ واحد، أو على مجموعة من الأشخاص كالحكم الدكتاتوري…
تاريخ الديمقراطية:
تمّ تطبيق الديمقراطية بشكلٍ بدائيّ في أنحاءٍ مختلفة من العالم منذ القِدم، إذ كانت أشكال الحُكم الاستبداديّة والأقليات هي أشكال الحُكم المنتشرة في ذلك الوقت، وتعود بداية تطبيق الديمقراطية إلى الإغريق والرومان، حيث تمّ تطبيق أول نموذج رسميّ للديمقراطية في المدينة اليونانيّة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد تميّز النموذج الأثينيّ عن باقي الأنظمة بتطبيق الديمقراطية المباشرة، والتي تتمّ من خلال اجتماع أفراد الشعب، ومناقشتهم مسائل الحكومة، وتنفيذ القرارات السياسية دون الحاجة لانتخاب ممثّلين عنهم، وما ساعد على نجاح هذا النّوع هو سهولة تطبيقه، بسبب قلّة أعداد المشاركين بشكلٍ مباشر في السياسة، ففي ذلك الوقت كان الذكور فقط هم من يشاركون في السياسة، بينما يتمّ استبعاد كلٍّ من: النساء، والعبيد، والأطفال، والمواطنين الأجانب. وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بدأت الديمقراطية بالانتشار.
وفي الوقت الحالي انتشرت الديمقراطية بأشكالها المختلفة في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك يصعُب وجود نظامين للديمقراطية متماثلين تماماً، كما يصعُب إيجاد نموذج ديمقراطيّ واحد؛ حيث ظهرت أشكال مختلفة للديمقراطية، مثل: الديمقراطية الفدرالية، والرئاسية، وتلك التي تعتمد على نسبة التّصويت، أو على تصويت الأغلبية.
أركان الديمقراطية:
يُمكن دعم البُنية التحتية للديمقراطية من خلال بعض الركائز والأركان، المرتبة حسب أهميتها على النحو الآتي:
الانتخابات
التسامح السياسي
سيادة القانون
حرية التّعبير
المساءلة والشفافية
اللامركزية
المجتمع المدني
أنواع الديمقراطية:
توجد ثلاثة أنواع رئيسيّة للديمقراطية، وسيتمّ توضيحها كالآتي: الديمقراطية المباشرة تعدّ
الديمقراطيّة المباشرة:
(بالإنجليزية: Direct Democracy) أحدَ أنواع الديمقراطية التي يتم فيها التّصويت من قبل الشعب على أيّ من القرارات السياسيّة بشكلٍ مباشرٍ ودون الحاجة لأيّ ممثلين عنهم، وأيّ قرار يصدر عن الحكومة يجب أن يُعرَض على المواطنين كي يتم التصويت عليه، ويكون لهؤلاء المواطنين الدّور الأول لتقرير مصير بلادهم.
كما يستطيع المواطنون طرح القضايا التي تهمّهم، وتشكيل أحزابٍ عديدةٍ بناءً على اهتماماتهم، وذلك ضمن الديمقراطية المباشرة. يُمكن تطبيق الدّيمقراطية المباشرة في الدّول الصّغيرة التي تتمتّع بكثافةٍ سكانيةٍ منخفضةٍ، ويقلّ فيها نسبة الجهل، إضافةً إلى أن يكون المجتمع بذاته متكافلاً ومتجانساً خاصةً فيما يتعلّق بالمجال السياسيّ، وتعدّ سويسرا من الدول التي تمارس هذا النوع من الديمقراطية بشكلٍ ناجحٍ.
الديمقراطية النيابية:
تُعدّ الديمقراطية النيابية (بالإنجليزية: Representative Democracy) أو غير المباشرة هي الأكثر انتشاراً في جميع أنحاء العالم، وفي هذا النّوع يتم التّصويت لمجموعةٍ من الأفراد لتمثّل الشعب في البرلمان، حيث يتم الاستفادة من خبرات الأفراد الذين تمَّ انتخابهم من أجل صنع واتخاذ القرارات. إلا أنّ هذا النوع من الديمقراطية قد يتعرّض لمشاكل معينةٍ كانتخاب حكوماتٍ تفشل في تحقيق مصالح مواطنيها، وهنا من الضروريّ عمل مبادرات أو استفتاءات لحلّ هذه المشكلة، كتلك التي تُطبّق في الديمقراطية المباشرة.
الديمقراطية التعددية:
ينضمّ الأفراد في الديمقراطية التعدّدية (بالإنجليزية: Pluralist Democracy) إلى مجموعاتٍ منظّمة لمناقشة القضايا السياسية المُشتركة، إذ يحدّد الفرد القضايا التي تهمّه، وينضمّ للمجموعات التي تناقش هذه القضايا من أجل دعمها، وتقوم المجموعات بدورها بكسب الدعم السياسي المهم من أجل الدفاع عن مصالحهم، ويُعدّ النظام السياسيّ الأمريكيّ من الأنظمة التي تُطبق الديمقراطية التعددية، فهو يتكوّن من مجموعات تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ في القرارات السياسية التي يتم اتخاذها في البلاد، والتي تساهم في دعم مواقفهم اتّجاه قضيةٍ معينةٍ.
أشكال النظام الديمقراطي:
توجد عدّة أشكال للنظام الديمقراطيّ، منها:
الديمقراطية الرئاسية:
يتمّ انتخاب الرئيس في الديمقراطيّة الرئاسيّة (: Presidential Democracy)، ولا يُمكن تَنحيته إلّا من خلال إجراءاتٍ استثنائية، ويحقّ للرئيس الاعتراض على أيّ إجراءٍ قانوني، إلّا إذا ألغى المجلس التشريعيّ حقّه من الاعتراض عن طريق التّصويت.
الديمقراطية البرلمانيّة:
تعدّ الديمقراطية البرلمانية إحدى أشكال الديمقراطية النيابية، وفيها يتم انتخاب هيئةٍ تشريعيةٍ (البرلمان)، وإسناد السلطة إليها، وجدير بالذكر أنّ السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ترتبطان معاً بشكل وثيق.
الديمقراطية الاستبداديّة:
في الديمقراطية الاستبدادية يتم اختيار ما يسمى بالنُخبة، لتمثيل مصالح المجتمع، باعتبارهم جزءاً من العملية الانتخابية، وبعد اختيار المُرشّح يتم التصويت له من قِبل أفراد الدولة، الذين يقتصر دورهم على ذلك، فلا يُسمح لهم أن يكونوا من ضمن المُرشحين للتنافس على الانتخابات.
الديمقراطية التشاركيّة:
تُتيح الديمقراطية التشاركية إمكانيةً كبيرةً للمواطنين للمشاركة الواسعة في السياسة، واتّخاذ قراراتٍ سياسيةٍ، وهذا الشكل يختلف عن الديمقراطية المباشرة، فالديمقراطية المباشرة تُتيح للمواطنين إمكانية اتخاذ قراراتٍ سياسيةٍ مباشرة، باعتبارهم المسؤولين عن اتخاذ تلك القرارات، أمّا الديمقراطية التشاركية، فتُتيح فرصاً للمواطنين للتأثير على القرارات السياسية، وعدم اتخاذها بشكلٍ مباشرٍ.
الديمقراطية الاجتماعية:
ظهرت الديمقراطية الاجتماعية : (Social Democracy) في أواخر القرن التاسع عشر، بهدف إصلاح النظام الرأسمالي وتنظيم الدولة من خلال توفير الخدمات والرعاية، كالخدمات الصحية، وإتاحة التعليم لجميع المواطنين.
الديمقراطية التمثيلية:
وتتضمّن أنّ أيّ شخص يستطيع الوصول إلى الانتخابات الرئاسيّة والفوز بها يحقّ له أن يُمارس سلطاته وفق قناعاته، وما يراه مناسباً دون وجود أيّ تقييدٍ على سلطاته.
الديمقراطية التداوليّة:
تهتمّ الديمقراطيّة التداوليّة (Deliberative Democracy)بمشاركة جميع أفراد المجتمع سواءً المواطنين، أو المقيمين فيه بصنع القرارات السياسية، والمشاركة في شؤون الحُكم، فهي ترى أن تلك القرارات يجب أن تُقرّ بعد إجراء مناقشاتٍ منطقية ونزيهة بين جميع المواطنين، حيث تشجعهم على مناقشتها، واختبارها بشكلٍ ناقد.
الديمقراطية الدستورية:
هي نظام حكم قائم على السّلطات الشعبية، ويعدّ الدستور المسؤول عن كلّ ما يتعلق بالحكومة والسياسة كالسلطات الدستورية.
الديمقراطية الفدرالية:
يتم تقسيم السلطات دستورياً بين الوحدات السياسية (المقاطعة أو الولاية) وسلطة الحُكم المركزيّة، حيث يُسمَح لكلٍ منهما فرض مجموعةٍ من القوانين والقرارات على المواطنين دون السماح للحكومة الوطنية التدخّل دون موافقتهم.
الديمقراطية المركزية:
يتم إدارة السلطة الدستورية من قِبل حكومة مركزية واحدة، علماً أنّ الحكومة المركزية تضمّ مجموعةً من الأقسام الإدارية التي تُمارس القرارات والصلاحيّات الصادرة عن الحكومة المركزية فقط.
الديمقراطية الليبرالية:
تستند الديمقراطية الليبرالية على الأيدلوجيات الليبرالية الكلاسيكية التي تدعو إلى الحريات على المستويين الاقتصاديّ والمدنيّ ضمن مبادئ سيادة القانون، ويتمتّع الأفراد في ظلّ هذه الديمقراطية بالعديد من الحقوق، كالحق في المشاركة في الأنشطة السياسيّة، والتصويت، والحق في التملُّك. وللديمقراطية الليبرالية أشكال عديدة، كالنّظام البرلماني، والملكية الدستورية أو الجمهورية، والنظام الرئاسيّ.
محاسن الديمقراطية
تتميّز المجتمعات التي تطبّق نظام الحكم الديمقراطيّ بعددٍ من المزايا، أهمّها:
إعداد مواطنين صالحين
حماية مصلحة المواطنين
تحقيق المساواة
منع احتكار السلطة
استقرار الحكومة والتزامها بالمسؤولية
تعزيز التغيير
تنمية الوعي السياسي للشعب
مساوئ الديمقراطية
بالرغم من مزايا النظام الديمقراطي إلّا أنّ هناك بعض المساوئ التي قد تنتج عند تطبيق الديمقراطية، وهي:[١٥]
طول الوقت لإصدار القرارات وتنفيذها
إضاعة المال من أجل دعم الحملات الانتخابية
ممارسات فاسدة: غير أخلاقية من أجل الوصول إلى السلطة
توفير الخدمات دون الاهتمام بجودتها وتوزيعها بعدالة
انتخاب أفراد غير الأكفاء
استخدام المرشحين لوسائل لا أخلاقية كالقوة والمال للتأثير على الناخبين
أهداف الديمقراطية
تهدف الديمقراطية إلى الآتي:
تحقيق المساواة بين جميع المواطنين دون الانحياز لأحد.
حماية الحريات العامة بمختلف أنواعها وحقوق الإنسان.
تطبيق النظام الديمقراطيّ.
حُكم الشعب نفسه بنفسه.
خاتمة
إن الحديث عن الديمقراطية حديث يطول، وما كتب عنها أكثر من أن يحصى، ولهذا فإنني أكتفي بهذه النبذة اليسيرة، فهي مفيدة وإن لم تكن كافية، فالمراجع كثيرة والبحوث متعددة والآراء مختلفة. وهذا جهد المقل.